الاثنين، 31 مايو 2021

الدستور المغربي،❘ الدستور المغربي من المذكرات المطلبية الى الشارع العام

 

الدستور المغربي من المذكرات المطلبية إلى الشارع العام

شكلت سنة 2011 مجالا زمنيا لبداية ما سمي بالثورات العربية، نتيجة للتدهور السوسيو- اقتصادي و السياسي للشعوب العربية، جراء تراكم الآثار الجانبية لانخراط هذه الأنظمة في مسلسل العولمة، بعد تبنيها للنهج الليبيرالي الرأسمالي دون توفرها على المضادات الكفيلة بالحفاظ على تنافسية اقتصاداتها المحلية أمام قوة الشركات المتعددة الجنسية، التي واصلت الضغط لعقود على اقتصاديات هذه الأنظمة التي راكمت جراء ذلك عجزا مستمرا في الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية والاقتصادية اتجاه شعوبها، وتركتهم فريسة لأسعار السوق الدولية، بعد عجز مالية هذه الدول عن الاستمرار في دعم المواد الأساسية لحياة المواطن.

فالليبيرالية والشيوعية معا لا تقبلان سيطرة الدولة، فالأولى لا تقبل منها الا القليل، والثانية ترفضها بالمرة،  وتبقى المزاوجة بين المذهبين امرا ناجحا في كثير من الدول(الصين مثلا).

فالثورات باعتبارها امتحان عسير و شاق للأنظمة السياسية، قد جاءت عربيا، لتساءل الأنظمة السياسية عن سوء تدبيرها للمجالات الاجتماعية والاقتصادية لشعوبها، فضلا عن الجوانب السياسية الأخرى، إذ تعتبر الثورة تطور طبيعي لتفاعل تناقضات المجتمع، وانفجارها، يعد مناسبة لإعادة صياغة شروط الاجتماع السياسي.

وعلى الساحة المغربية، وكامتداد للحراك العربي وفي سياقه، برزت حركة 20 فبراير، التي حملت مجموعة من المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الى الشارع العام، أسها السياسي تحول النظام المغربي الى ملكية برلمانية و تعديل الدستور، وأساسها السوسيو-اقتصادي تحسين ظروف عيش المواطن المغربي.

الدستور المغربي،❘ الدستور المغربي من المذكرات المطلبية الى الشارع العام

وقد جاءت مخرجات النظام السياسي المغربي متجاوبة مع مطالب الشارع في ظرف زمني وجيز فاجئ جميع اطراف المعادلة السياسية، إذ يقول الأستاذ عبد الإله بلقزيز أن " ...كل محلل موضوعي عارف بسياقات السياسة في المغرب لا يسعه إلا الاعتراف بأن إرادة الملك في التغيير قد اختصرت الطريق على الارادة العامة في التغيير". وهذا صحيح إذا ما استحضرنا سلوك المؤسسة الملكية اتجاه مذكرات الكتلة الوطنية حول الاصلاح الدستوري والسياسي التي لم تتلقى الكتلة حولها أي جواب لا بالقبول ولا بالرفض حسب الدكتور سعيد خمري، ما جعل الكتلة الوطنية تتراجع عن تقديم مذكرة تمت صياغتها في 2006 ولم يتم رفعها الى المؤسسة الملكية من طرف كل من حزب الاستقلال ، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية، بالإضافة الى أن الاحزاب المغربية خاصة تلك المشاركة في الحكومة مع بداية العمل بحكومة التناوب التوافقي، بدأت تستنبط الخطوط الحمراء في العمل السياسي حسب سعيد خمري دائما.

 ويظهر ذلك جليا في تصريح الأمين العام لحزب الاستقلال قبيل استلامه منصب الوزير الأول بعد انتخابات 2007إذ يقول:" أن نزاهة الانتخابات بالنسبة لحزبه هي أولى من تعديل الدستور"، وبالتالي انحصرت التعديلات المتوالية للدستور في ظل عدم الثقة بين الفاعلين السياسيين على بعض الجوانب الشكلية دون ان تصل الى جوهر مكونات البناء الديمقراطي الحقيقي كما يقول الدكتور عبد القادر العلمي في كتابه " أولوية الإصلاح الدستوري".

واستمر الوضع الى حين مجيء حركة 20 فبراير بمطلب التعديل الدستوري، بعدما كاد يتلاشى من أجندة الأحزاب السياسية المغربية، في سياق إقليمي مشتعل، وفر لها الزخم السياسي الكفيل بتحقيق مطالبها، وبذلك أصبح مطلب الاصلاح الدستوري يتداول في الشارع العام، على لسان المواطن العادي، بعدما كان حكرا على النخبة السياسية الحزبية، التي تدبجه في المذكرات المطلبية.

وجاء دستور 2011، الذي يعد حسب السيد ولد اباه في كتابه : الثورات العربية الجديدة المسار والمصير يوميات من مشهد متواصل،:"... يعد في شكله ومضمونه نصا مرجعيا جديدا بكل المقاييس ".

والفرق كبير بين مطلب تعديل دستوري شعبي في الشارع العام، ومذكرة اصلاح دستورية وسياسية مختومة من طرف الأحزاب السياسية.

مطالب الشارع العام لا تهدف إلى ممارسة السلطة عند مطالبتها بالتعديل الدستوري كما هو حال الأحزاب السياسية، وإنما تتغيأ في المقام الأول تحسين الأوضاع السوسيو-اقتصادية، عبر الوثيقة الدستورية، وهنا التمايز بين مطالب النخبة السياسية، ومطالب الشارع التي تهم التعديلات الدستورية.

فالأحزاب المغربية في مذكراتها الإصلاحية المرفوعة تباعا إلى المؤسسة الملكية في مراحل مختلفة من الزمن السياسي المغربي، كانت تتغيأ إلى جانب الاعتبارات الاجتماعية، تحسين شروط العمل السياسي للفاعل الحزبي في المشهد السياسي المغربي المحكوم بسقف المشاركة في السلطة، أما الشارع المغربي عندما طالب بالإصلاحات الدستورية و السياسية، تزامنا مع الربيع العربي، المرتبط هو الآخر بتراجع خطير في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لشعوب المنطقة، فكان يرنوا إلى المكاسب السوسيو- اقتصادية التي ستنجم عن هذا الإصلاح، آملا في تحسين أوضاعه المعيشية المتدهورة.

فالزيادة في الأجور، ورفع قيمة التقاعد، رفع منحة الطلبة، إحداث صندوق الرعاية الاجتماعية، والتعويض عن البطالة، تشغيل المعطلين، تخفيض اسعار المواد الاساسية...الخ هذه المطالب كانت تشكل خلفية تفكير المواطن المغربي أثناء مطالبته بالإصلاح الدستوري، فالمواطن العادي لن يهتم كثيرا لوثيقة دستورية لا تعينه على تحمل اعباء الحياة التي ما فتئت تتزايد منذ سنوات من دخول دستور يوليوز 2011 حيز التنفيذ.

لنخلص الى أن حيثيات المطلب الدستوري لسنة 2011 تختلف تماما عن باقي المحطات الدستورية السابقة التي كانت تدخل في خانة الصراع على السلطة، أما مطلب 2011، فمطلب تعديلي من أجل الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وبناءا عليه فتنزيل دستور 2011 ينتظره المواطن العادي في المقام الأول، إضافة الى الفاعل الحزبي.

من هنا أهمية إنجاح عملية تنزيل الدستور وتفعيله في كل أبعاده، وصولا إلى الهدف المنشود، آلا و هو تحسين أوضاع المغاربة الحياتية عبر الوثيقة الدستورية، التي حملت في ثناياها مصطلحات تنهل من القاموس الاقتصادي والاجتماعي الشيء الكثير.

لدى وجب استغلال جميع الإمكانيات المتاحة اقتصاديا واجتماعيا على مستوى الوثيقة الدستورية لإكساب الاقتصاد المغربي المناعة والقوة الكفيلة بتأهيله للعب الأدوار الجديدة محليا وإقليميا.

 

وهذه هي الحقيقة التي يجب أن يعيها نواب الأمة الذين منحهم الدستور الجديد وضعا معتبرا، لدى يتعين على البرلمان توظيف قوة موقفه في تعميق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، عبر الدفاع عن المؤسسات الإجتماعية و الاقتصادية و تكريس مردوديتها وفق روح الشارع الدستوري، مع الحرص على قيام هذه المؤسسات بالمهام المنوطة بها وفق مبادئ الحكامة الجيدة، والنزاهة والشفافية، آملا في ملامسة نتائج اعمالها، وانعكاسها على حياة المواطن المغربي، وبذلك تكتمل دائرة الإصلاح.

فالوضع الاجتماعي والاقتصادي يشكل تحديا حقيقيا للدولة الحديثة، هذا ما خلص اليه التقرير الذي نشره البرنامج الانمائي للأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية في شهر فبراير 2013 تحت اسم" نظرة جديدة الى النمو الاقتصادي: نحو مجتمعات عربية منتجة وشاملة"، خلص إلى أن المقايضة المغلوطة بين الحقوق الاقتصادية والسياسية كانت سببا في اندلاع احتجاجات ما أصبح يعرف بالربيع العربي، داعيا إلى سير الإصلاحات الاقتصادية جنبا إلى جنب مع الإصلاحات السياسية".

فعلى نواب الأمة والحكومة على حد سواء أن يعلموا أن الدستور المغربي لسنة 2011، نجاحه يتحدد على مستوى الأبعاد السوسيو-اقتصادية الكفيلة بضمان السلم الاجتماعي، وفتح آفاق جديدة للشعب المغربي للانخراط في مسار الدول الصاعدة.

 

 محمد بالخضار، باحث في القانون العام

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أترك تعليقك أو لإضافة في الموضوع هنا

حقوق الإنسان،| نماذج من المؤسسات غير الرسمية المدافعة عن حقوق الإنسان

  نماذج من المؤسسات غير الرسمية المدافعة عن حقوق الانسان تتعدد المؤسسات غير الرسمية المدافعة عن حقوق الأنسان في المغرب، وسنتناول نموذج الع...